عدد الزوار
حران العواميد.. جمال المعالم الأثرية والمعمارية القديمة الضخمة

حضرت دمشق أقدم مدينة مأهولة في التاريخ، الأرض العامرة والزاهرة بجمال طبيعتها وتضاريسها الخلابة.. مدينة الياسمين وجلق الشام بقلعتها وبوابة القديس توماس وجامعها الأموي، وأبوابها السبعة الفرج والفراديس والسلام وتوما وشرقي وكيسان والصغر والجابية، وكذلك نهر بردى مع فروعه يزيد والمزاوي والديراني وتورا والقنوات وبانياس على طاولة الورشة التي دعت لها الهيئة العليا للبحث العلمي بالتعاون مع محافظة دمشق، فكان تاريخها وواقعها الحالي ومستقبلها ماثلاً أمام الحضور، وبتفاصيل دقيقة عند الباحثين الذين حرصوا على تقديم ما في جعبتهم تجاه هذا الموضوع المهم عن شوارعها وأحيائها، انطلاقاً من الزيادة الملحوظة للذين سيتمركزون في المدن والمتوقعة أن تصل نسبتها إلى 68 في المئة عام 2050 بعد أن كانت 30 في المئة عام 1950 و55 في المئة عام 2018 وفق تقرير المدن العالمية في 2018 الصادر العام المنصرم، وهو ما يحتاج وفقاً، للدكتور مجد الجمالي -المدير العام للهيئة العليا للبحث العلمي إلى خطة متينة لمواجهة ذلك، بغية الوصول لمدينة عصرية ذكية ونظيفة تنتظم مكوناتها بشكل أنيق، وتتطور اعتماداً على أساليب البحث العلمي والمعرفة والابتكار.
ورأى الجمالي أن قصور الخطط هو أولى العقبات للتنفيذ، مستبعداً في الوقت ذاته أن تكون المشكلة بالتمويل فقط، وهو ما كان سبباً رئيساً للدعوة إلى الورشة لاستعراض مشاريع عملية بحتة، والتحضير لخطة تنفيذية تعتمد المعرفة والبحث العلمي والتطوير لمعالجة القضايا الملحة في دمشق، على أن تصاغ المقترحات بخطة تنجز خلال الشهر الحالي، لتتم مناقشتها في الشهر المقبل، وإقرارها مطلع العام الجديد2020.
وناقش الحضور من خبراء واختصاصيين السبل الكفيلة بجعل أقدم مدينة مأهولة متطورة مع الحفاظ على هويتها وعراقتها وأصالتها، مع الإشارة لمعاناتها الكبيرة من التشوه والتخريب اللذين لحقا بها من جراء الحرب الكونية على سورية، إضافة للامتدادات العشوائية والتوسعات غير المنتظمة.
 
قابلة للتطبيق
وقدم المشاركون الذين تحسب لهم البرامج التي بذلوا من أجلها جهوداً كبيرة لتقديمها في الورشة لتكون قابلة للتطبيق على أرض الواقع شرط أن يتوافر التعاون بين الجهات جميعها، ومن دون أي عرقلة لخطط التنفيذ كما كان يحصل في أوقات سابقة، وهذا يتطلب أيضاً عقلية منفتحة وتملك الرؤية والرغبة في التعاون مع الآخرين تجاه المصلحة العامة، ومتخلية عن الأنا المتوارثة كما تمنى د. الجمالي، ومؤكداً أهمية الشراكة مع الآخرين في إنجاز الكثير من الأعمال والمهام التي تعود بالنفع على الآخرين.
مواصفات عصرية
وهو ما تطرق له محافظ دمشق المهندس عادل العلبي حين أشار للتعاون القائم بين المحافظة والهيئة والخبراء لتأسيس خطة تهدف لاستدامة دمشق لتكون مدينة ذكية، وبمواصفات عصرية مستندة لجميع الآراء المطروحة من قبل الخبراء لتتواءم مع المخططات المطروحة في المحافظة، والتي بين من خلالها المهندس مازن غراوي -عضو المكتب التنفيذي للمحافظة انتقال العمل لديهم من المرحلي إلى الاستراتيجي، ومستنداً لتجارب الدول المتقدمة ومن التقانات الحديثة، وتذليل جميع الصعوبات التقنية والمالية.
العنوان الذي حملته الورشة بمناسبة يوم المدن العالمي «لأجلك دمشق» .. تطوير مبني على المعرفة وفقاً لـ د. الجمالي في حديثه لـ «تشرين» التي تابعت الورشة كاملة جاء ثمرة تعاون بين الهيئة العليا للبحث العلمي ومحافظة دمشق وعدد من الجهات الأكاديمية وعلى الأخص المعهد العالي للتخطيط الإقليمي وكلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق، وتهدف وفقاً لـ الجمالي إلى التحضير لخطة تنفيذية تعتمد المعرفة والبحث العلمي والتطوير لمعالجة القضايا الملحة في مدينة دمشق، وحيث تتوجه مخرجات العديد من مشاريع التخرج وأطروحات الدراسات العليا في كليات الهندسة المعمارية والمدنية والميكانيكية والكهربائية والسياحة والفنون الجميلة وغيرها، باتجاه التطوير العمراني والبيئي والطاقي والمعلوماتي لمدينة دمشق بالتعاون مع الهيئات البحثية الأخرى.
رؤى متعددة
وتناول المحاضرون في مداخلاتهم رؤى متعددة في التخطيط العمراني والبيئي وكيفية الاستفادة من التكنولوجيا في خدمة تلك المشاريع، وتمت مناقشة هذه الطروحات من قبل عدد من الفعاليات الحاضرة في الورشة وقدمت مقترحات غنية، من أهمها إيجاد آلية واضحة للتنسيق والتشبيك بين الجهات الأكاديمية والبحثية من جهة، والجهات التنفيذية ودور الهيئة العليا للبحث العلمي في ذلك من جهة أخرى.
وعرف د. الجمالي في عرضه الافتتاحي بالهيئة العليا للبحث العلمي، وهي هيئة عامة علمية ذات طابع إداري تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري ومرتبطة بوزير التعليم العالي، ورؤيتها: منظومة وطنية متكاملة للبحث العلمي والتطوير التقاني، متشابكة مع قطاعات المجتمع، ومساهمة في التنمية المستدام، أما رسالتها فتكمن في رسم السياسة الوطنية الشاملة للبحث العلمي والتطوير التقاني وتنسيق أنشطتها وتوجيهها وربطها باحتياجات المجتمع الفعلية وتهيئة بيئة تمكينية داعمة للبحث العلمي ومحفزة للباحثين.
وتتلخص الرؤية الإجمالية لمبادرة دمشق أجمل، لتكون مدينة عصرية ذكية ونظيفة تنتظم فيها مكوناتها بشكل أنيق وتتطور اعتماداً على أساليب البحث العلمي والمعرفة والابتكار وتُغني تراثها الحضاري بالفن والجمال، وتحسين الصورة الذهنية والبصرية لمدينة دمشق عبر إجراء دراسات تطويرية تعتمد الابتكار وتهدف إلى حل المشكلات القائمة (هندسية، معمارية، بيئية، صحية، …) ورسم الاستراتيجيات بما يتوافق مع خطط التنمية المستدامة ومواجهة التحديات المستقبلية الناتجة عن التزايد السكاني وما يرافقها من تأثيرات سلبية على المدينة وتراثها العريق.
تتبع بلدة «حران العواميد» محافظة ريف دمشق وتبعد عن دمشق نحو 30كم شرقاً وترتفع عن سطح البحر 600م وهي موثقة لدى دائرة آثار ريف دمشق ومسجلة في لائحة المواقع الأثرية الوطنية.
أخذت اسمها من الأعمدة الأثرية الضخمة والمرتفعة التي تقوم وسطها وتدل البقايا المعمارية والمعالم الأثرية القديمة المنتشرة في البلدة ومحيطها حسب دراسات المديرية العامة للآثار والمتاحف على ازدهار كبير خلال العصور القديمة، ولاسيما خلال العصرين الروماني ثم البيزنطي، ومن أهم هذه الآثار بقايا المعبد الذي كان من أجمل الأبنية التي شُيّدت في منطقة دمشق خلال العصر الروماني ويوجد في المتحف الوطني بدمشق العديد من القطع الحجرية المنحوتة التي ربما كانت جزءاً منه ويعود تاريخ بنائه إلى الفترة الرومانية المتأخرة ويرجح أنه بني خلال فترة حكم الإمبراطور فيليب العربي، وهذا ما يستدل عليه من طراز زخرفة تيجان الأعمدة وقواعدها والسواكف والمنحوتات الحجرية وقد شُيّد على منصة مرتفعة رصفت أرضيته ببلاطات من الحجارة البازلتية المنحوتة، وبقي منه ثلاثة أعمدة ضخمة كانت تؤلف جزءاً من البهو الأمامي وهي ترتكز على قواعد ضخمة ويصل ارتفاع العمود نحو 12م وتعلوها تيجان أيونية الطراز، ومن المعالم الأثرية الرومانية في البلدة إلى «قناة المياه» التي نُحتت أجزاء منها في الصخر، إضافة إلى مجموعة من المدافن والقبور التي استخرجت منها الكثير من اللقى والتماثيل والشواهد، وخلال العصر البيزنطي بقيت البلدة مزدهرة فشّيد غرب المعبد دير أو كنيسة تحولت خلال العصر الإسلامي إلى جامع، ولايزال الكثير من المنحوتات الحجرية التي نقلت من المعبد تزين جدران وواجهات الجامع وجدران بيوت البلدة القديمة.
 
 

®إنضم لفريق المتميز للتسوق الإلكتروني
ليصلك كل جديد